كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَكَذَلِكَ الْأَجْسَامُ تَنْتَقِلُ أَلْوَانُهَا وَطَعُومُهَا وَرَوَائِحُهَا فَيَسُودُ الْجِسْمَ بَعْدَ ابْيِضَاضِهِ وَيَحْلُو بَعْدَ مَرَارَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَهَذِهِ حَرَكَاتٌ وَاسْتِحَالَاتٌ وَانْتِقَالَاتٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ انْتِقَالُ جِسْمٍ مِنْ حَيِّزٍ إلَى حَيِّزٍ وَكَذَلِكَ الْجِسْمُ الدَّائِرُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ كَالدُّولَابِ وَالْفَلَكِ هُوَ بِجُمْلَتِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ حَيِّزِهِ وَإِنْ لَمْ يَزَلْ مُتَحَرِّكًا. وَهَذِهِ الْحَرَكَاتُ كُلُّهَا فِي الْأَجْسَامِ وَأَمَّا فِي الْأَرْوَاحِ فَالنَّفْسُ تَنْتَقِلُ مِنْ بُغْضٍ إلَى حُبٍّ وَمِنْ سَخَطٍ إلَى رِضَا. وَمِنْ كَرَاهَةٍ إلَى إرَادَةٍ وَمِنْ جَهْلٍ إلَى عِلْمٍ وَيَجِدُ الْإِنْسَانُ مِنْ حَرَكَاتِ نَفْسِهِ وَانْتِقَالَاتِهَا وَصُعُودِهَا وَنُزُولِهَا مَا يَجِدُهُ. وَذَلِكَ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ غَيْرِ جِنْسِ حَرَكَاتِ بَدَنِهِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا؛ فَإِنَّ لِلْمَلَائِكَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَلِيقُ بِهِمْ؛ وَإِنَّ مَا يُوصَفُ بِهِ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ أَكْمَلُ وَأَعْلَى وَأَتَمُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ؛ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قَالَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ: كَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ يَنْزِلُ وَلَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ بَلْ إذَا كَانَ الْمَخْلُوقُ يُوصَفُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا يَسْتَحِيلُ مِنْ مَخْلُوقٍ آخَرَ فَالرُّوحُ تُوصَفُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا يَسْتَحِيلُ اتِّصَافُ الْبَدَنِ بِهِ كَانَ جَوَازُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْلَى مِنْ جَوَازِهِ مِنْ الْمَخْلُوقِ كَأَرْوَاحِ الْآدَمِيِّينَ وَالْمَلَائِكَةِ.
وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ مَا يُوصَفُ بِهِ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَكُونُ إلَّا مِثْلَ مَا تُوصَفُ بِهِ أَبْدَانُ بَنِي آدَمَ. فَغَلَطُهُ أَعْظَمُ مِنْ غَلَطِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ مَا تُوصَفُ بِهِ الرُّوحُ مِثْلَ مَا تُوصَفُ بِهِ الْأَبْدَانُ.
وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ قُرْبَهُ سُبْحَانَهُ وَدُنُوَّهُ مِنْ بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ تَخْلُوَ ذَاتُهُ مِنْ فَوْقِ الْعَرْشِ؛ بَلْ هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَيَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ؛ كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ السَّلَفِ؛ وَهَذَا كَقُرْبِهِ إلَى مُوسَى لَمَّا كَلَّمَهُ مِنْ الشَّجَرَةِ قَالَ تَعَالَى: {إذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَا مُوسَى إنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إلَّا مَنْ ظُلِمَ} وَقَالَ فِي السُّورَةِ الْأُخْرَى {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ نَادَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ وَأَنَّهُ قَرَّبَهُ نَجِيًّا وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إذْ قَضَيْنَا إلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَلْ لَكَ إلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى}. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تفسيره: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} قَالَ. كَانَ ذَلِكَ النَّارَ قَالَ اللَّهُ مَنْ فِي النُّورِ وَنُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النُّورِ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ؛ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ؛ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ؛ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ أَنَّ عِكْرِمَةَ حَدَّثَنِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} قَالَ: كَانَ ذَلِكَ النَّارُ نُورَهُ {وَمَنْ حَوْلَهَا} أَيْ بُورِكَ مَنْ فِي النُّورِ وَمَنْ حَوْلَ النُّورِ. وَكَذَلِكَ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ مِنْ تَفْسِيرِ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} يَعْنِي نَفْسَهُ قَالَ: كَانَ نُورُ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي الشَّجَرَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا. حَدَّثَنَا أَبِي؛ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ؛ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ؛ عَنْ شيبان؛ عَنْ عِكْرِمَةَ: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} قَالَ: كَانَ اللَّهُ فِي نُورِهِ. حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ؛ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} قَالَ: نَادَاهُ وَهُوَ فِي النُّورِ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ المنجاني؛ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ؛ ثَنَا مُفَضَّلُ بْنُ أَبِي فَضَالَةَ حَدَّثَنِي ابْنُ ضَمْرَةَ: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} قَالَ: إنَّ مُوسَى كَانَ عَلَى شَاطِئِ الْوَادِي- إلَى أَنْ قَالَ- فَلَمَّا قَامَ أَبْصَرَ النَّارَ فَسَارَ إلَيْهَا فَلَمَّا أَتَاهَا {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} قَالَ: إنَّهَا لَمْ تَكُنْ نَارًا وَلَكِنْ كَانَ نُورَ اللَّهِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي ذَلِكَ النُّورِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ النُّورُ مِنْهُ؛ وَمُوسَى حَوْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ؛ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وجل: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} قَالَ: النَّارُ نُورُ الرَّحْمَةِ؛ قَالَ: ضَوْءٌ مِنْ اللَّهِ تعالى: {وَمَنْ حَوْلَهَا} مُوسَى وَالْمَلَائِكَةُ. وَرُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَمَنْ حَوْلَهَا} قَالَ: الْمَلَائِكَةُ. قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحُسْنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وقتادة مِثْلُ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ السدي وَحْدَهُ {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} قَالَ: كَانَ فِي النَّارِ مَلَائِكَةٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ- أَوْ النَّارُ- لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ». ثُمَّ قَرَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا}. وَذَكَرَ مِنْ تَفْسِيرِ الوالبي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} يَقُولُ: قُدِّسَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} بُورِكَتْ النَّارُ. كَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَفِي السُّورَةِ الْأُخْرَى: ذَكَرَ أَنَّهُ نَادَاهُ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ وَقوله: {مِنَ الشَّجَرَةِ} هُوَ بَدَلٌ مِنْ قوله: {مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ} فَالشَّجَرَةُ كَانَتْ فِيهِ وَقَالَ أَيْضًا: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ} وَالطُّورُ هُوَ الْجَبَلُ فَالنِّدَاءُ كَانَ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ الطُّورِ وَمِنْ الْوَادِي فَإِنَّ شَاطِئَ الْوَادِي جَانِبُهُ وَقال: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} أَيْ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَجَانِبِ الْمَكَانِ الْغَرْبِيِّ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ هُوَ الْغَرْبِيُّ لَا الشَّرْقِيُّ فَذَكَرَ أَنَّ النِّدَاءَ كَانَ مِنْ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْوَادِي الْمُقَدَّسُ طُوًى مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ مِنْ الشَّجَرَةِ. وَذَكَرَ أَنَّهُ قَرَّبَهُ نَجِيًّا فَنَادَاهُ وَنَاجَاهُ وَذَلِكَ الْمُنَادِي لَهُ وَالْمُنَاجِي لَهُ هُوَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا غَيْرُهُ وَنِدَاؤُهُ وَمُنَاجَاتُهُ قَائِمَةٌ بِهِ لَيْسَ ذَلِكَ مَخْلُوقًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ لَا يَقُومُ بِهِ كَلَامٌ؛ بَلْ كَلَامُهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ مَخْلُوقٌ؛ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَادَاهُ وَنَاجَاهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ لَا كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ: لَمْ يَزَلْ مُنَادِيًا مُنَاجِيًا لَهُ وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ خَلَقَ فِيهِ إدْرَاكَ النِّدَاءِ الْقَدِيمِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ.
فَهَذَانِ قَوْلَانِ مُبْتَدَعَانِ لَمْ يَقُلْ وَاحِدًا مِنْهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ. وَإِذَا كَانَ الْمُنَادِي هُوَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَقَدْ نَادَاهُ مِنْ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ وَقَرَّبَهُ إلَيْهِ؛ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ السَّلَفُ مِنْ قُرْبِهِ وَدُنُوِّهِ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ أَنَّ هَذَا قُرْبٌ مِمَّا دُونَ السَّمَاءِ. وَقَدْ جَاءَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الإسرائيليات قُرْبُهُ مِنْ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَلَفْظُهُ- الَّذِي سَاقَهُ البغوي- أَنَّهُ أَظَلَّهُ غَمَامٌ ثُمَّ نُودِيَ: يَا أَيُّوبُ؟ أَنَا اللَّهُ يَقُولُ: أَنَا قَدْ دَنَوْت مِنْك أَنْزِلُ مِنْك قَرِيبًا لَكِنَّ الْإِسْرائِيلِيّات إنَّمَا تُذْكَرُ عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا وَحْدَهَا وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ وَفِي سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْبِهِ مِنْ الدَّاعِي وَقُرْبِهِ مِنْ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ}. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَكَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ؛ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْته هَرْوَلَةً».
وَقُرْبُهُ مِنْ الْعِبَادِ بِتَقَرُّبِهِمْ إلَيْهِ مِمَّا يُقِرُّ بِهِ جَمِيعُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ سَوَاءٌ قَالُوا مَعَ ذَلِكَ: إنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ أَوْ لَمْ يَقُولُوا. وَأَمَّا مَنْ يُنْكِرُ ذَلِكَ:- فَمِنْهُمْ مَنْ يُفَسِّرُ قُرْبَ الْعِبَادِ بِكَوْنِهِمْ يُقَارِبُونَهُ وَيُشَابِهُونَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَيَكُونُونَ قَرِيبِينَ مِنْهُ وَهَذَا تَفْسِيرُ أَبِي حَامِدٍ والمتفلسفة؛ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْفَلْسَفَةُ هِيَ التَّشَبُّهُ بِالْإِلَهِ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَسِّرُ قُرْبَهُمْ بِطَاعَتِهِمْ وَيُفَسِّرُ قُرْبَهُ بِإِثَابَتِهِ. وَهَذَا تَفْسِيرُ جُمْهُورِ الْجَهْمِيَّة؛ فَإِنَّهُمْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ قُرْبٌ وَلَا تَقْرِيبٌ أَصْلًا. وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي مَعَانِي الْقُرْبِ- وَلَيْسَ فِي الطَّوَائِفِ مَنْ يُنْكِرُهُ- قُرْبُ الْمَعْرُوفِ وَالْمَعْبُودِ إلَى قُلُوبِ الْعَارِفِينَ الْعَابِدِينَ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا فَإِنَّهُ لابد أَنْ يَعْرِفَهُ وَيَقْرُبَ مِنْ قَلْبِهِ وَاَلَّذِي يُبْغِضُهُ يَبْعُدُ مِنْ قَلْبِهِ. لَكِنْ هَذَا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ ذَاتَه نَفْسَهَا تَحِلُّ فِي قُلُوبِ الْعَارِفِينَ الْعَابِدِينَ وَإِنَّمَا فِي الْقُلُوبِ مَعْرِفَتُهُ وَعِبَادَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ؛ وَلَكِنَّ الْعِلْمَ يُطَابِقُ الْمَعْلُومَ. وَهَذَا الْإِيمَانُ الَّذِي فِي الْقُلُوبِ هُوَ الْمَثَلُ الْأَعْلَى الَّذِي لَهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إلَهٌ} وَقوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ}.
وَقَدْ غَلِطَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ طَائِفَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ: فَجَعَلُوهُ حُلُولَ الذَّاتِ وَاتِّحَادَهَا بِالْعَابِدِ وَالْعَارِفِ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَاَلَّذِينَ يُثْبِتُونَ تَقْرِيبَهُ الْعِبَادَ إلَى ذَاتِهِ هُوَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ لِلسَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُلَّابِيَة؛ فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ قُرْبَ الْعِبَادِ إلَى ذَاتِهِ وَكَذَلِكَ يُثْبِتُونَ اسْتِوَاءَهُ عَلَى الْعَرْشِ بِذَاتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ: الِاسْتِوَاءُ فِعْلٌ فَعَلَهُ فِي الْعَرْشِ فَصَارَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ. وَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الزَّاغُونِي وَطَوَائِفَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا دُنُوُّهُ نَفْسُهُ وَتَقَرُّبُهُ مِنْ بَعْضِ عِبَادِهِ؛ فَهَذَا يُثْبِتُهُ مَنْ يُثْبِتُ قِيَامَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِنَفْسِهِ وَمَجِيئِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنُزُولِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورِينَ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالنَّقْلُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ. وَأَوَّلُ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا فِي الْإِسْلَامِ الْجَهْمِيَّة وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَكَانُوا يُنْكِرُونَ الصِّفَاتِ وَالْعُلُوَّ عَلَى الْعَرْشِ ثُمَّ جَاءَ ابْنُ كُلَّابٍ فَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ وَأَثْبَتَ الصِّفَاتِ وَالْعُلُوَّ عَلَى الْعَرْشِ لَكِنْ وَافَقَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا تَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ؛ وَلِهَذَا أَحْدَثَ قَوْلُهُ فِي الْقُرْآنِ: إنَّهُ قَدِيمٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ بِقُدْرَتِهِ. وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ؛ بَلْ الْمُتَوَاتِرُ عَنْهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَمَا ذَكَرْت أَلْفَاظَهُمْ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذَا. فَاَلَّذِينَ يُثْبِتُونَ أَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَلَامًا قَائِمًا بِهِ؛ هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ يَدْنُو وَيَقْرُبُ مِنْ عِبَادِهِ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أَوْ قَدِيمٌ فَأَصْلُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ شَيْءٍ وَلَا يَدْنُوَ إلَيْهِ. فَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ: بِهَذَا مَعَ هَذَا؛ كَانَ مِنْ تَنَاقُضِهِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ أَصْلَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ قَدِيمٌ. وَأَهْلُ الْكَلَامِ قَدْ يَعْرِفُونَ مِنْ حَقَائِقِ أُصُولِهِمْ وَلَوَازِمِهَا مَا لَا يَعْرِفُهُ مَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْمَقَالَةِ وَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَتَهَا وَلَوَازِمَهَا؛ فَلِذَا يُوجَدُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ فِي هَذَا الْبَابِ. فَإِنَّ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارَ السَّلَفِ مُتَظَاهِرَةٌ بِالْإِثْبَاتِ وَلَيْسَ عَلَى النَّفْيِ دَلِيلٌ وَاحِدٌ: لَا مِنْ كِتَابٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ أَثَرٍ؛ وَإِنَّمَا أَصْلُهُ قَوْلُ الْجَهْمِيَّة فَلَمَّا جَاءَ ابْنُ كُلَّابٍ فَرَّقَ وَوَافَقَهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُقِرُّ بِمَا جَاءَ عَنْ السَّلَفِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَبِمَا يَقُولُهُ الْنُّفَاةِ مِمَّا يُنَاقِضُ ذَلِكَ وَلَا يَهْتَدِي لِلتَّنَاقُضِ {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ ثُلُثَ اللَّيْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ. وَهَذَا قَدْ احْتَجَّ بِهِ طَائِفَةٌ وَجَعَلُوا هَذَا دَلِيلًا عَلَى مَا يَتَأَوَّلُونَ عَلَيْهِ حَدِيثَ النُّزُولِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا جَعَلَ نُزُولَهُ مِنْ جِنْسِ نُزُولِ أَجْسَامِ النَّاسِ مِنْ السَّطْحِ إلَى الْأَرْضِ وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: يَخْلُو الْعَرْشُ مِنْهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ بَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ فَوْقَهُ وَبَعْضُهَا تَحْتَهُ. فَإِذَا قُدِّرَ النُّزُولُ هَكَذَا كَانَ مُمْتَنِعًا؛ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَزَالُ تَحْتَ الْعَرْشِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ أَوْ جَمِيعِهَا فَإِنَّ بَيْنَ طَرَفَيْ الْعِمَارَةِ نَحْوَ لَيْلَةٍ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ: بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْعِمَارَةِ مِنْ الْمَشْرِقِ وَمُنْتَهَاهَا مِنْ الْمَغْرِبِ مِقْدَارُ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ دَرَجَةً فَلَكِيَّةً وَكُلُّ خَمْسَ عَشْرَةَ فَهِيَ سَاعَةٌ مُعْتَدِلَةٌ وَالسَّاعَةُ الْمُعْتَدِلَةُ هِيَ سَاعَةٌ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً بِاللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ إذَا كَانَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مُتَسَاوِيَيْنِ- كَمَا يَسْتَوِيَانِ فِي أَوَّلِ الرَّبِيعِ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الصَّيْفَ وَأَوَّلِ الْخَرِيفِ الَّذِي تُسَمِّيهِ الرَّبِيعَ- بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَطْوَلَ مِنْ الْآخَرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً؛ فَهَذِهِ السَّاعَاتُ مُخْتَلِفَةٌ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ فَتَغْرُبُ الشَّمْسُ عَنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ قَبْلَ غُرُوبِهَا عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ كَمَا تَطْلُعُ عَلَى هَؤُلَاءِ قَبْلَ هَؤُلَاءِ بِنَحْوِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً أَوْ أَكْثَرَ. فَإِنَّ الشَّمْسَ عَلَى أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ مُرْتَفِعَةً مِنْ الْأَرْضِ الِارْتِفَاعَ التَّامَّ كَمَا يَكُونُ عِنْدَ نِصْفِ النَّهَارِ فَإِنَّهَا تُضِيءُ عَلَى مَا أَمَامَهَا وَخَلْفَهَا مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ تِسْعِينَ دَرَجَةً شَرْقِيَّةً وَتِسْعِينَ غَرْبِيَّةً وَالْمَجْمُوعُ مِقْدَارُ حَرَكَتِهَا: اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً سِتَّةٌ شَرْقِيَّةٌ وَسِتَّةٌ غَرْبِيَّةٌ وَهُوَ النَّهَارُ الْمُعْتَدِلُ. وَلَا يَزَالُ لَهَا هَذَا النَّهَارُ لَكِنْ يَخْفَى ضَوْءُهَا بِسَبَبِ مَيْلِهَا إلَى جَانِبِ الشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ؛ فَإِنَّ الْمَعْمُورَ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ النَّاحِيَةِ الشَّمَالِيَّةِ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ شَمَالُ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ الْمُحَاذِي لِدَائِرَةِ مُعْتَدِلِ النَّهَارِ الَّتِي نِسْبَتُهَا إلَى الْقُطْبَيْنِ- الشَّمَالِيِّ وَالْجَنُوبِيِّ- نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ فِي حَرَكَةِ الْفَلَكِ إنَّهَا عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ دولابية مِثْلُ الدُّولَابِ وَإِنَّهَا عِنْدَ الْقُطْبَيْنِ رحاوية تُشْبِهُ حَرَكَةَ الرَّحَى وَإِنَّهَا فِي الْمَعْمُورِ مِنْ الْأَرْضِ حمائلية تُشْبِهُ حَمَائِلَ السُّيُوفِ. وَالْمَعْمُورُ الْمَسْكُونُ مِنْ الْأَرْضِ يُقَالُ: إنَّهُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ دَرَجَةً أَكْثَرُ مِنْ السُّدُسِ بِقَلِيلِ. وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا لِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ: ذَكَرْنَا فِيهِ دِلَالَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرَ مَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْفَلَكَ مُسْتَدِيرٌ. وَقَدْ ذَكَرَ إجْمَاعَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادِي الَّذِي لَهُ نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةِ مُصَنَّفٍ وَهُوَ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ وَأَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ عَلَى أَوَّلِ الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ إمَّا وَقْتَ غُرُوبِهَا وَإِمَّا قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ غُرُوبِهَا عَلَى آخِرِ الْبِلَادِ الْغَرْبِيَّةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ بِحَيْثُ يَكُونُ الضَّوْءُ أَمَامَهَا تِسْعِينَ دَرَجَةً وَخَلْفَهَا تِسْعِينَ دَرَجَةً؛ فَهَذَا مُنْتَهَى نُورِهَا. فَإِذَا طَلَعَتْ عَلَيْهِمْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ تِسْعُونَ دَرَجَةً وَكَذَلِكَ عَلَى كُلِّ بَلَدٍ تَطْلُعُ عَلَيْهِ؛ وَالْحَاسِبُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الدَّرَجَاتِ كَمَا يُفَرِّقُ بَيْنَ السَّاعَاتِ فَإِنَّ السَّاعَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ الزَّمَانِيَّةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً بِحَسَبِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَيَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ أَيْضًا تِسْعُونَ دَرَجَةً مِنْ نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ وَإِذَا صَارَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَانٍ تِسْعُونَ دَرَجَةً غَرْبِيَّةً غَابَتْ كَمَا تَطْلُعُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ تِسْعُونَ دَرَجَةً شَرْقِيَّةً وَإِذَا تَوَسَّطَتْ عَلَيْهِمْ- وَهُوَ وَقْتُ اسْتِوَائِهَا قَبْلَ أَنْ تَدْلُكَ وَتَزِيغَ وَيَدْخُلَ وَقْتُ الظُّهْرِ- كَانَ لَهَا تِسْعُونَ دَرَجَةً شَرْقِيَّةً وَتِسْعُونَ دَرَجَةً غَرْبِيَّةً. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ- وَالنُّزُولُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ عَلَى قَائِلِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ: الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ هُوَ: «إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ» وَأَمَّا رِوَايَةُ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ فَانْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّ أَصَحَّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ». وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا؛ فَهُوَ حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَاَلَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ. فَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَ النُّزُولَ أَيْضًا إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ وَإِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ؛ فَقَوْلُهُ حَقٌّ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ؛ وَيَكُونُ النُّزُولُ أَنْوَاعًا ثَلَاثَةً: الْأَوَّلُ إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ إذَا انْتَصَفَ وَهُوَ أَبْلَغُ ثُمَّ إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَهُوَ أَبْلَغُ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ. وَلَفْظُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ إذَا أُطْلِقَ فَالنَّهَارُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} وَكَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا» وَقَوْلِهِ: «كَاَلَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ» وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا أَرَادَ صَوْمَ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَكَذَلِكَ وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الصِّيَامِ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَعْلُومِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَالْإِجْمَاعِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَكَذَلِكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْت الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةِ». وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ- كَالْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ- إنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِصْفُ النَّهَارِ فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ النَّهَارَ الْمُبْتَدِئَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لَا يُرِيدُ قَطُّ- لَا فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِنِصْفِ النَّهَارِ- النَّهَارَ الَّذِي أَوَّلُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ فَإِنَّ نِصْفَ هَذَا يَكُونُ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ وَلِهَذَا غَلِطَ بَعْضُ مُتَأَخَّرِي الْفُقَهَاءِ- لَمَّا رَأَى كَلَامَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصَّائِمَ الْمُتَطَوِّعَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ؛ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَعْدَهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد- ظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهَارِ هُنَا نَهَارُ الصَّوْمِ الَّذِي أَوَّلُهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ. وَسَبَبُ غَلَطِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مُسَمَّى النَّهَارِ إذَا أُطْلِقَ وَبَيْنَ مُسَمَّى نِصْفِ النَّهَارِ فَالنَّهَارُ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهِ نِصْفٌ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَعُلَمَاءِ أُمَّتِهِ هُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالنَّهَارِ الْمُطْلَقِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَخْبَرَ بِالنُّزُولِ إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فَهَذَا اللَّيْلُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الثُّلُثُ يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ النَّهَارِ الْمُضَافِ إلَيْهِ النِّصْفُ- وَهُوَ الَّذِي يَنْتَهِي إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَكَذَلِكَ لِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَقْتُ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ إلَى الثُّلُثِ» فَهُوَ هَذَا اللَّيْلُ. وَكَذَلِكَ الْفُقَهَاءُ إذَا أَطْلَقُوا ثُلُثَ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ؛ فَهُوَ كَإِطْلَاقِهِمْ نِصْفَ النَّهَارِ. وَهَكَذَا أَهْلُ الْحِسَابِ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَ هَذَا. وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ هُوَ اللَّيْلُ الْمُنْتَهِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَفْضَلُ الْقِيَامِ قِيَامُ دَاوُد؛ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» وَالْيَوْمُ الْمُعْتَادُ الْمَشْرُوعُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ بَلْ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ هَذَا وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قُدِّرَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ الْمَشْرِقِ يَكُونُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَيْهِمْ بِأَرْبَعِ سَاعَاتٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ»- فَقَدْ أَخْبَرَ بِدَوَامِهِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَفِي رِوَايَةٍ: «إلَى أَنْ يَنْصَرِفَ الْقَارِئُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ». وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَدْ قِيلَ: يَشْهَدُهُ اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ. وَإِذَا كَانَ هَذَا النُّزُولُ يَدُومُ نَحْوَ سُدُسٍ عِنْدَ أُولَئِكَ؛ فَهَكَذَا هُوَ عِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ إذَا مَضَى ثُلُثَا لَيْلِهِمْ يَدُومُ عِنْدَهُمْ سُدُسُ الزَّمَانِ وَأَمَّا النُّزُولُ الَّذِي فِي النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ: فَإِنَّهُ يَدُومُ رُبُعُ الزَّمَانِ أَوْ ثُلُثُهُ فَهُوَ أَكْثَرُ دَوَامًا مِنْ ذَلِكَ.